يوهانس إيتن ومدرسة باوهاوس الفنية
يوهانس إيتن رسام تعبيري ومعلم ومنظر سويسري، ولد في اليوم الحادي عشر من نوفمبر عام ١٨٨٨م وتوفي في اليوم الخامس والعشرين من مارس عام ١٩٦٧م، وارتبط اسمه بمدرسة باوهاوس إلى جانب الرسام الألماني الأمريكي ليونيل فايننغر، والنحات الألماني جيرهارد ماكس، وبإشرافٍ من المهندس المعماري الألماني والتر جروبيوس.
بعد اندثار الحرب العالمية الأولى أسس المهندس المعماري والتر جروبيوس مدرسةً فنيةً تصميمية في مدينة فايمار الألمانية، هي الباوهاوس التي ضمت مجموعةً من الفنانين والحرفيين والمصممين، في مقدمتهم يوهانس إيتن، لخلق تواصل بين الشكل والوظيفة، وكانت بحق نموذجًا رفيعًا وسط عالمٍ مزقته الصراعات التي تجرع العالم مرارتها، واعتمدت فيها الدراسة بأن لا تزيد عن ثلاث سنوات ونصف، وألغيت فيها الفروقات بين الفنان والحرفي وبين الأساتذة والطلبة، ليكون العمل جماعيًا وملهمًا، واهتمت المدرسة بالصناعات، مع الإسهام في خطوط الإنتاج، وأدخلت تصميم الكتب والقيشاني والأثاث والجرافيك والإعلانات الجدارية للحياة اليومية.
وقد تنقل يوهانس إيتن قبل أن يلتحق بهذه المدرسة بين العديد من المدارس، بدءًا بأكاديمية جنيف عام ١٩١٠م والتي وصف التدريس بها بأنه وفق أساليب العصور الوسطى بالاعتماد على تقليد التلاميذ لأساتذتهم تقليدًا دقيقًا، وفي العام ١٩١٣م ذهب لمدينة شتوتجارت وحضر عددًا من المحاضرات في أكاديمية شتوتجارت التي اعتنت بتدريس أساليب التشكيل وأسس اللون بصورة منتظمة، ثم التحق بمهنة التدريس بها بالإضافة إلى ممارسة عمله الإبداعي، وفي العام ١٩١٦م انتقل إلى فيينا وأسس بها مدرسةً للفن وتطوير طرق التدريس.
ثم تأتي تجربته الرائدة في مدرسة باوهاوس إثر دعوة تلقاها من السيدة ألما ماهلر كروبيوس التي كانت معجبةً بفنه وبنظرياته في التدريس، وهناك التقى بزوجها والتر كروبيوس مؤسس مدرسة باوهاوس، الذي عرض عليه الحضور إلى فايمار ووعده بأنه سيكون مسرورًا هناك، فلبى الدعوة بعد فترة وجيزة، وأخذته الدهشة من روعة ما رأى من غرف الدراسة الفاخرة وورش العمل المبهرة، ووجد هناك منشورًا يقول فيه كروبيوس: إنّ الهدف الأساسي لكافة الفنون التشكيلية هو البناء، وعلى المعماريين والنحاتين والرسامين العودة إلى الحرفة إذ ليس هناك فارق أساسي بين الفنان والحرفي. فالفنان ما هو إلا صيرورة مكثفة للحرفي، وإنّ معرفة أسس الحرفة وركائزها أمور لا يستغني عنها الفنان، أي أنها مصدر لإنتاجيته الخلاقة.
وبدأت بعد ذلك رحلته في الباوهاوس، باتباع أسلوب خاص يعتمد على ترويض الإصبع واليد والذراع والجسم على الاسترخاء والتحسس والتقوية، وهو مالم يكن مألوفًا في المدارس الفنية الأخرى، وكذلك ينبغي على الدارس إجراء فحص للتنفس بغية التنشيط لإتمام عملية الاسترخاء بشكل جيد، ويأتي لاحقًا دور النصح بشأن التنظيم الغذائي والإرشادات الصحية الضرورية للحفاظ على السلامة.
ثم كان أكبر شاغلٍ لأستاذ الفن في الباوهاوس يتمثل في عملية تحرير الإدراك الحسي الروحي الداخلي وتعميقه، وكان ينبغي على الطالب دراسة عملية تحليل الألوان بأضدادها السبعة بأسلوب منطقي، ويجب عليه قضاء نصف ساعة يوميًا كل صباح ولأسبوع كامل أمام نبات السرخس ليدرسه بواسطة الرسم، وفي نهاية أسبوع النظر يقوم برسمه باستحضاره من الذاكرة.
وعلى الرغم من إقفال مدرسة الباوهاوس وإغلاقها نهائيًا عام ١٩٣٣م بأمر من هتلر، بعد تعرضها للسخرية والتشكيك في أهدافها والتهكم على الأساتذة والطلاب، فإنّ تأثيرها ما زال شائعًا في كثير من دول العالم، وأصبح من المعتاد الانجذاب للفلسفة الشرقية هندية كانت أو صينية، والتي روجت لها هذه المدرسة وأعطت الأثر على مجال الفن من حولها، عبر ممارسة رياضة اليوجا ليس في مجال الفن بل في جميع مجالات الإبداع الأدبي.