أبو يوسف الكندي وعلم البصريات
هو أبو يوسف يعقوب بن إسحاق بن الصباح الكندي، المعروف عند اللاتينيين باسم (Alkindus)، وهو من قبيلة كندة المعروفة، ولد بالكوفة عام ١٨٥ للهجرة الموافق ٨٠٥ من العام الميلادي، وكان والده حينذاك واليًا على الكوفة وأحد أعيانها وأثرى أثريائها، فتربى في أسرة غنية ذات مال ويسار، وتوفي والده وترك له ولإخوته مالًا وفيرًا، وكان قد أتم حفظ القرآن والكثير من أحاديث السنة النبوية وهو في الخامسة عشر من عمره، وعده الكثيرون مؤسسًا للفلسفة العربية الإسلامية، وكان عالمًا موسوعيًا، فقد برع في علم الرياضيات والفيزياء والفلك والفلسفة، إضافةً إلى أنه واضع أول سلم موسيقي.
له الفضل في ابتداعٍ منهجٍ جديدٍ للعلوم، وَفقَ فيه بين العلوم الدينية والدنيوية، ومما عُرف عنه معرفته الواسعة بالعلوم والفلسفة اليونانية، وكان معاصرًا للخلفاء العباسيين المأمون والمعتصم والمتوكل، والفلكيين الإخوة الثلاثة بنو موسى والفلكي سند بن علي، وكانت له حظوة ومنزلة كبيرة عند المأمون والمعتصم، مما أتاح له ترجمة مؤلفات أرسطو وغيره من فلاسفة اليونان في عهد المأمون، وكان خطاطًا عند الخليفة المتوكل، ووصلت وشاية للمتوكل تتعلق بآرائه الفلسفية فأمر بمصادرة جميع كتبه التي أعيدت إليه بعد ذلك.
علم البصريات: وكان ممن أثر بآرائه على علم البصريات، فقد صحح بعض المعتقدات القديمة الشائعة حول كيفية رؤية الأشياء بالعين، فقد اعتقد أرسطو أن الرؤية تتم إذا توفر وسط شفاف بين العين والجسم مليء الضوء، حينذاك تنتقل الصورة للعين، لكن إقليدس كان له اعتقاد مخالف حيث ذكر أنّ الرؤية تتم نتيجة خروج أشعة من العين في خطوط مستقيمة على كائن ما ثم تنعكس من جديد للعين فيرى ذلك الكائن، وقام الكندي بتجربة الطريقتين لتحديد الطريقة الناجحة بينهما، لكنه وجد أنّ طريقة أرسطو غير قادرة على تفسير تأثير زاوية الرؤية على رؤية الأشياء، فعند النظر لدائرة من الجانب ستندو كخط، والتي كان يجب أن تبدو كدائرة كاملة للعين، وأما نظرية إقليدس فكانت تحتوي على بعد حجمي، وأيضًا لها القدرة على تفسير تلك المسألة، فضلًا عن تفسير طول الظلال والانعكاسات في المرايا، لأن إقليدس اعتمد على أنّ الأشعة لا تنتقل إلا في خطوط مستقيمة، لهذا انتصر لنظريته وتوصل إلى أنّ كل شيء في العالم تنبعث من أشعة في كل اتجاه، وهي التي تملأ العالم كله.
توفي الكندي في العام ٢٥٦ للهجرة الموافق للعام ٨٧٣ الميلادي، بعد رحلةٍ طويلة مع العلم، أثرى فيها العالم بإسهاماته العديدة ومؤلفاته التي تعد مرجعًا للباحثين والعلماء من بعده.